خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 2 من جمادى الآخرة 1445هـ الموافق 15 /12 / 2023م
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102]. أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَالْقُرُبَاتِ الْجَلِيلَةِ: أَنْ يَتَعَلَّقَ الْعَبْدُ بِرَبِّهِ وَمَوْلَاهُ، وَيَعْتَصِمَ بِطَاعَتِهِ وَتَقْوَاهُ، فَالْمُسْلِمُ فِي الدُّنْيَا دَائِرٌ بَيْنَ طَاعَةٍ وَتَقْصِيرٍ، وَعَجْزٍ وَتَشْمِيرٍ، وَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: تَوْبَةٌ تَمْحُو عَنْهُ السَّيِّئَاتِ، وَمُسَارَعَةٌ فِي دَرَجِ الطَّاعَاتِ.
فَالتَّوْبَةُ - عِبَادَ اللَّهِ - مِفْتَاحُ السَّعَادَةِ، وَطَرِيقُ الرُّشْدِ وَالْهِدَايَةِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[ [التحريم:8].
التَّوْبَةُ دَأْبُ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَفْزَعُ الْمُرْسَلِينَ الْأَتْقِيَاءِ؛ قَالَ جَلَّ وَعَلَا عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ[ [هود:75]، وَقَالَ عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ]وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[ [هود:88]، وَأَخْبَرَ عَنْ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ]وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ[ [ص:24]، وَقَالَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ]وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ[ [ص:34].
التَّوْبَةُ أَمَانٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَجُنَّةٌ مِنْ سُخْطِهِ وَعِقَابِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ[ [الزمر:54]، وَهِيَ السَّبِيلُ لِلْفَوْزِ بِالْجِنَانِ، وَالِازْدِلَافِ مِنَ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ[ [ق:31-33].
وَالتَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ سَبَبٌ لِلرِّزْقِ الْوَفِيرِ، وَالْبَرَكَةِ فِي الْمَالِ وَالْبَنِينَ؛ قَالَ تَعَالَى: ]فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا[ [نوح:12].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ الْعَبْدَ مَهْمَا اجْتَهَدَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ وَالْعَمَلِ بِهُدَاهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنِ الذُّنُوبِ وَالْأَوْزَارِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ خَائِفٌ مِنْ سُخْطِ الْجَبَّارِ، وَغَضَبِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، فَاحْتَاجَ إِلَى تَوْبَةٍ صَادِقَةٍ، وَأَوْبَةٍ خَالِصَةٍ، يَرْجُو بِهَا النَّجَاةَ وَالرَّحْمَةَ، وَالْعَفْوَ عَنِ الْخَطَأِ وَالزَّلَّةِ؛ قَالَ تَعَالَى: ] وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ [النور:31].
إِنَّ حَقِيقَةَ التَّوْبَةِ: إِقْلَاعٌ عَنِ الْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ، وَنَدَمٌ عَلَى مَا مَضَى وَفَاتَ، وَعَزْمٌ عَلَى التَّرْكِ أَبَدًا إِلَى الْمَمَاتِ، وَإِرْجَاعُ الْحُقُوقِ لِأَصْحَابِهَا وَالْمَظْلَمَاتِ. وَمَنْ أَكْثَرَ الرُّجُوعَ إِلَى اللَّهِ كَانَ اللَّهُ مَفْزَعَهُ عِنْدَ النَّوَازِلِ وَالْبَلَايَا، وَإِذَا اسْتَيْقَظَتِ الْقُلُوبُ بِالتَّوْبَةِ اسْتَعَدَّتْ لِلْآخِرَةِ، وَمَنِ اجْتَهَدَ فِي مُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ وَكَفَّهَا عَنِ الْعِصْيَانِ نَجَا مِنَ النَّدَامَةِ وَالْخُسْرَانِ.
عِبَادَ اللهِ:
التَّوْبَةُ وَظِيفَةُ الْعُمْرِ؛ فَالْمُؤْمِنُ لَا يَزَالُ يَذْكُرُ ذُنُوبَهُ وَخَطَايَاهُ، فَيُحَاسِبُ نَفْسَهُ، وَيُلْزِمُهَا طَاعَةَ رَبِّهِ؛ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
وَالْعَبْدُ مَتَى اسْتَصْغَرَ الذَّنْبَ، وَقَعَ فِي الْهَلَاكِ؛ قَالَ الْفُضَيلُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (بِقَدْرِ مَا يَصْغُرُ الذَّنْبُ عِنْدَكَ يَعْظُمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَبِقَدْرِ مَا يَعْظُمُ عِنْدَكَ يَصْغُرُ عِنْدَ اللّهِ)، وَفِي الْقِيَامَةِ تُبْلَى السَّرَائِرُ، وَيُحَصَّلُ مَا فِي الصُّدُورِ؛ قَالَ رَجُلٌ لِمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ: (هَبْ أَنَّ الْمُسِيءَ قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، أَلَيْسَ قَدْ فَاتَهُ ثَوَابُ الْمُحْسِنِينَ؟ فَبَكَى مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ وَقَالَ: عَلَى مِثْلِ هَذَا فَلْيُبْكَ).
يَا عَبْدَ اللهِ:
لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الْآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ، وَيُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ بِطُولِ الْأَمَلِ؛ فَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً، إِنَّمَا التَّوْبَةُ بِالْعَمَلِ، مَنْ فَارَقَ التَّوْبَةَ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَنْبِهِ وَعِصْيَانِهِ، فَلَا يَأْمَنَنَّ مِنَ الطَّبْعِ عَلَى قَلْبِهِ، وَذَهَابِ الْيَقِينِ مِنْ فُؤَادِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[ [المطففين:14]، قَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ: (تَدْرُونَ مَا الْإِرَانَةُ؟ الذَّنْبُ بَعْدَ الذَّنْبِ، وَالذَّنْبُ بَعْدَ الذَّنْبِ، حَتَّى يَمُوتَ الْقَلْبُ).
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا -أَيْ: كَالْإِنَاءِ الْمَقْلُوبِ الْمُتَغَيِّرِ- لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَأَتُوبُ إِلَيْه؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَقَاهُ، وَعَصَمَهُ وَآوَاهُ؛ قَالَ تَعَالَى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[ [الأنفال:29].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
التَّوْبَةُ خُضُوعٌ وَانْكِسَارٌ وَتَذَلُّلٌ وَاسْتِغْفَارٌ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ جَلَّ وَعَلَا كَرِيمٌ تَوَّابٌ، رَحِيمٌ وَهَّابٌ، يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، يَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، لَا أَرْحَمَ مِنَ اللَّهِ، وَلَا أَوْلَى بِالْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ مِنْهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا[ [النساء:110]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَبْلُغَ خَطَايَاكُمُ السَّمَاءَ، ثُمَّ تُبْتُمْ، لَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ].
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ: تَحْقِيقَ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ تَعَالَى؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ].
فَلْيُحْسِنِ الْعَبْدُ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ، وَلَا يَيْأَسْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَكَرِيمِ عَفْوِهِ، وَلَوْ كَرَّرَ الْمَعْصِيَةَ؛ فَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَتَعَاظَمُهُ ذَنْبٌ، وَرَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ؛ قَالَ تَعَالَى: ]قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[ [الزمر:53]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، قَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلَاثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
فَأَكْثِرُوا -رَحِمَكُمُ اللَّهُ- مِنَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ؛ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُكْثِرُ مِنْهُمَا فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللهٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا تَوْبَةً، وَفِي الْآخِرَةِ مَغْفِرَةً : فَقَدْ ظَفِرَ بِالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ، وَالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ السَّرْمَدِيَّةِ، فَاقْطَعُوا حَبَائِلَ الْعِصْيَانِ، وَهُبُّوا لِمَنَازِلِ الْجَنَّةِ وَالرِّضْوَانِ، وَبَادِرُوا قَبْلَ الْمَوْتِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِحْسَانِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ، وَالْـمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَجُنْدَكَ الْمُرَابِطِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ الْغَاصِبِينَ، وَانْتَقِمْ مِنَ الصَّهَايِنَةِ الْمُجْرِمِينَ، وَرُدَّ الْأَقْصَى الْجَرِيحَ إِلَى حَوْزَةِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ كُنْ لِأَهْلِنَا فِي فِلَسْطِينَ نَاصِرًا وَمُعِينًا، احْقِنْ دِمَاءَهُمْ وَاحْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ، وَأَيِّدْهُمْ بِتَأْيِيدٍ مِنْ عِنْدِكَ، وَرُدَّ كَيْدَ أَعْدَائِهِمْ فِي نُحُورِهِمْ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَوُلَاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ احْفَظْ صَاحِبَ السُّمُوِّ أَمِيرَ الْبِلَادِ بِحِفْظِكَ وَاكْلَأْهُ بِرِعَايَتِكَ وَمُنَّ عَلَيْهِ بِالشِّفَاءِ الْعَاجِلِ وَمَتِّعْهُ بِمَوْفُورِ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَاحْفَظْهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة